الجزء الثاني من علم الكينونة وفن الحياة

من طرف belgyas الجمعة مايو 29, 2009 2:40 pm

غاية الحياة

إن غاية الحياة هي تمدد السعادة، والتطور هو العملية التي من خلالها تصل إلى الاكتمال. تبدأ الحياة بطريقة طبيعية، وتتطور ومن ثم تتمدد السعادة. يحمل تمدد السعادة في طياته توسع الذكاء والقوة والإبداع وكل ما له أهمية في الحياة.

إن غاية الحياة الفردية هو أيضاً مطابق لغاية حياة الكون أجمع. إن غاية الخليقة هي تمدد السعادة التي تصل إلى الاكتمال من خلال عملية التطوّر. إن أهمية وغاية الحياة الفردية هي ذاتها لغاية حياة الكون. وفرق هو في المقياس.

تشكل الحياة الفردي الوحدة الأساسية لحياة الكون. تتم خدمة التطور الكوني بشكل أساسي بتطور الحياة الفردية. هكذا ومع خدمة غاية الحياة الفردية، تتم خدمة غاية الحياة الكونية أيضاً بشكل تلقائي وبشكل متزامن إلى تلك الدرجة وذلك المقياس.

إذا حقق الفرد غاية حياته الخاصة، يكون قد قام بما يتوجب عليه لخدمة الغاية الكونية.

إن لم يكن الفرد سعيداً، يكون قد فقد الغاية الحقيقية للحياة. إن لم ينمي الفرد الذكاء والقوة والإبداع والسلام والسعادة بشكل دائم يكون قد فقد الغاية الحقيقة للحياة. لم توجد الحياة كي نعيشها بالخمول والكسل والمعاناة، كل هذه الصفات لا تمت بالطبيعة الأساسية للحياة بصلة.

الحياة ديناميكية وليست متحجرة. إنها نشيطة وتقدمية وتطورية ونامية من خلال النشاط ومضاعفة ذاتها. إن طبيعة الحياة وغايتها هي التقدم والتطور والنشاط والتحسن.

يحافظ النشاط على مجرى التطوّر، والآلة المادية المسؤولة عن النشاط هو الجهاز العصبي للفرد. في المخلقات الأدنى من الإنسان إن جهازها العصي ليس متطوراً بشكل كامل كما هو الجهاز العصبي البشري وبالتالي إن النشاط الذي يقود إلى التطوّر هو في نطاق ضيق. إن نشاط المخلوقات المتدنية وبالرغم من أنها تسير بعملية التطوّر، إلا أنها لا تصل إلى درجات عالية من التطور. كلما كان الجهاز العصبي متطوّراً، كلما زادت نسبة التطوّر.

إن الجهاز العصبي البشري هو الأكثر تطوراً بشكل راقٍ. لذلك، إن مجال تطوّر الإنسان لا محدود في هذه الحياة. نلاحظ أنه عندما يولد الطفل تكون كل صفاته من ذكائه وقوته وإبداعه قليلة، ولكن كلما ينمو وينغمس في حقل النشاط تصبح قوته عظيمة وذكائه عظيم وإبداعه عظيم ودرجة سعادته التي يختبرها في نفسه ويوجهها خارج نفسه هي كبيرة. إن الجهاز العصبي هو متطور إلى حد أنه من خلال النشاط الملائم (الوحي التي به وضع هذا الكتاب) يمكن للإنسان أن يتصل بالغبطة المطلقة والإبداع والذكاء والقوة والطاقة.

يمكننا القول أن الجهاز العصبي البشري هو جهاز عصبي كامل. لذلك إن غاية حياة الإنسان هي في أن يعيش حالة غير محدودة من الطاقة والذكاء والقوة والإبداع والغبطة للكينونة المطلقة.

إن غاية حياة الجنس البشري هي أن يعيش حياة بالحرية. إن لم يكن الفرد قادراً أن يعيش مثل هذه الحياة، تكون الغاية الحقيقية للحياة غير واضحة. لقد ولد الإنسان كي يعيش حياة كاملة حاملاً في طيّاتها كل قيم المطلق الإلهي التجاوزي وغير المحدودة للطاقة والذكاء والقوة والسلام والغبطة مع القيم غير المحدودة لعالم التعددية في الوجود النسبي. لقد ولد كي يبرز فيض الحالة المطلقة للحياة في عالم الوجود النسبي.

إن حياة الإنسان هي بقصد أن تكون جسراً من الفيض بين الذكاء الإلهي والخليقة أجمعين. إن حياة الإنسان هي من أجل أن تزرع وتعطي – تزرع القوة الإلهية والذكاء الإلهي والسعادة والفيض وتعطيها إلى كل الخليقة. هذه هي الغاية الأسمى لحياة الإنسان، ولحسن الحظ أن نجد بأن كل إنسان هو قادر على تحقيق ذلك بتحسن قدرات الوعي في عقله ويتصل بشكل واعٍ بالحقل المطلق للطاقة والسلام والسعادة والفيض للوعي الأبدي الإلهي.

لكل إنسان القدرة على نشر الإشراق الإلهي في الخليقة أجمع. له القدرة على توجيه جميع قيم المطلق إلى عالم الوجود النسبي ولجميع المخلوقات كي يتمتعوا ويمجدوا خليقة الله جميعها. لكل إنسان القدرة على أن يعيش الحياة بكامل قيمها. إذا فشل الفرد في أن يعيشها كذلك، يلحق العار بنفسه، ويسيء معاملة مجد الله القدير في داخلنا وفيما فوقنا.

إن ما نقدمه هو دعوة لكل إنسان على الأرض كي يبدأ بقطف الوعي الإلهي للمطلق، وبإخراج هذا الوعي من خلال كل نشاط يقوم به في عالم التنوع، سوف يتمتع به لنفسه ويوجهه لكل الآخرين كي يتمتعوا به أيضاً.

عندما يوجه الإنسان نفسه إلى الخارج وعقله محدود، لا يستطيع تقدير الغاية الحقيقية للحياة. بالطاقة الضئيلة للعقل، سوف ينشغل في القيام بأعمال صغيرة التي بها يفكر بمصطلحات محدودة جداً. فهو يشغل نفسه بنشاطات محدودة جداً. يمكنه أن يخلق عدداً محدوداً فقط من أشياء صغير لها قيمة محدودة. يكون العقل الواعي للشخص العادي محدوداً جداً بحيث لا يكون قادراً على التمتع بالحياة. نجده يعاني من معظم الأشياء وعلى كثير من مستويات الحياة. إن هذه الحالة من المعاناة هي ليس إلا نتيجة لعدم استخدامه طاقته الكاملة.

بعدم استخدام الطاقة الكاملة، لا يستطيع الإنسان أن يحقق غاية حياته. نجد يعاني في عدة طرق بسبب عدم استخدامه طاقة الوعي الكاملة في عقله، إنه لا يستعمل الطاقة العظمة التي يحملها في داخله. إنه لا يختبر ولا يعكس في حياته فيض الغبطة المطلقة التي يملكها بشكل طبيعي، التي هي الحقل المطلق للإبداع والقوة الموجود في داخله. إنه يشبه المليونير الذي نسي ثروته كلها وموقعه ويذهب للتسول في الشارع وفي كل لحظة يشعر بالحاجة إلى المال.

إن كل المعاناة هي نتيجة لعدم معرفة طريقة كشف المجد الإلهي الحاضر في داخل ذاتنا. إن عدم معرفة الغطس في داخل ذاتنا هو المسبب لكل مرض وكل معاناة في الحياة البشرية. بعدم وجود القدرة على الكشف الإلهي، يكون الجهل لتقنية الغطس في داخل الذات هو المسؤول عن التعاسة في الحياة. من دون الوعي الإلهي نجد الإنسان محتاجاً للطاقة والذكاء والتفكير الواضح. إنه تعب وقلق ومتوتر ومضطرب.

لقد وصلت حالة الوجود البشري إلى هذا المستوى البائس أنه وفي علوم النفس، وهي العلوم العظيمة للعقل، نجد التوجيهات القائلة بأن الشدة والجهد هي ضرورية للذكاء الخلاق. من العار أن نؤمن بأن الشدة والجهد هي ضرورية من أجل تحسين الحياة.

يقال أن الشعراء والفنانون قد ألفوا آدابه الرائعة بسبب الشدة والجهد. إن كل هذه التصاريح هي ناتجة عن الجهل وعن عدم المقدرة على التخلص من الجهد.

يزيد عصرنا العلمي الحديث بالجهد ولسوء الحظ. يبدو أن الحياة البشرية تكبر تنمو بالجهد بدلاً من أن تنمو بالراحة والرفاهية، بالرغم من أن الرفاهية المادية تزداد. إن كل هذا هو بسبب أن الأفراد لا يملكون طريقة تحسين مقدرتهم وفعاليتهم من خلال الاتصال مع حقول الطاقة الأكبر والذكاء الأكبر الموجودة في داخل كل إنسان. كل ما نحتاج هو أن نتصل بشكل واعٍ بذلك الحقل للحياة الداخلية ونحقق الأرباح بواسطته.

إن الإنسان المعاصر لا يرى غاية الحياة، فهو غير قادر أن يرى بأنه قد ولد من أجل يتمتع ويبدع ويعيش حياة مفيدة له ولغيره. إنه ينغمس بأي نشاط يواجهه ويعمل بجهد ويضع كل مجهوده وكل طاقته في ذلك الحقل. وهو يكافأ كي يعمل بجهد، أن يكون الإنسان مبدعاً في جميع نواحي الحياة، هو ما وجد من أجله الإنسان. ولكن عندما يزيد النشاط، يجد الإنسان نفسه عادة غير قادر على تحمل زيادة الضغط، فتنخفض فعاليته، أي أنه لا يجد الطاقة الكافية لتحمل زيادة النشاط. وهكذا ينمو التوتر والإرهاق.

عندما ينشغل الإنسان بنشاط أكبر، عليه أن يكون قادراً على إنتاج طاقة أكبر وذكاء أكبر في داخله كي يتمكن من تحمّل زيادة النشاط. هذا ما لا يعرف كيف يحققه، ولذلك فهو يفقد الغاية الأساسية للحياة.